عسير- سحر الطبيعة و أصالة التراث و رؤية تتجدد
المؤلف: نجيب يماني11.25.2025

إذا ما هاج بك كامن الشوق، ورفرف فوق سمائك طائر البهجة، وانصعت لنداء القلب الودود الداعي «مرحبًا ألف»، فاعلم يقينًا أن وجهتك صوب «عسير» الفاتنة، وأنك تقصد ربوع الشواهق الشامخة.
وإن كنت مثلي ممن طال بهم البعد عنها، فلن تملك جوارحك من فيض الدهشة الغامرة، وسيسكنك إعجاب راسخ، وفخر عارم، واعتزاز بما تحقق على هذه الأرض الطيبة، التي حررتها «الرؤية» المباركة من قيود الرتابة، وأزاحت عن وجهها عبوس التزمت والجمود، وكدر الغلظة والجفاء، وأعادت إليها رونق الحياة بأبهى حلة، وأروع صورة، بفضل طيبة أهلها وسمو أخلاقهم وحبهم المتدفق لهذا الوطن المعطاء، واستبدلت كآبة الانغلاق بإشراقة الحياة.
تأملت المنطقة بنظرات شاملة ممتدة من الجو قبل أن تحط الطائرة في مطار أبها، حيث تراقصت أمام عيني ألوان زاهية من خضرة متنوعة، وأعماق منخفضة، وقمم شاهقة، حتى تكاد تشعر بملامستها لك مباشرة.
وما إن تستقر الطائرة على أرض المطار، فتهيأ لرحلة ساحرة تكشف لك وطنك بصورة غير مألوفة، وتشعرك بعظمة هذه «الرؤية» السخية، فقد أنجزت في هذه الربوع، وفي غيرها، كل ما يمكن وبعض ما يستحيل، فأضحت «عسير» متألقة مزدهرة بنظافتها، وخلو طرقاتها من العوائق، بتصميم رائع، يغطي السهل والجبل والقرية والمدينة، وتوسعت التنمية الطموحة لتشملها، وتوفر لها متطلبات البنية التحتية، وكل سبل الرفاهية في جميع أرجائها، ولم تستثن من ذلك أصغر القرى.
كل شيء هنا قد أُعدّ بعناية فائقة لراحة الزائر والسائح؛ البشر والترحيب يغمر الوجوه، شباب يانع، وفتيات متألقات، هن مثال للعفة والجمال، يقفون جنبًا إلى جنب لخدمتك بكل سرور.
ما أعظم بركة «الرؤية» التي منحت المرأة حقوقها في هذه المنطقة وغيرها، وها هي تسهم بوعيها في إبراز والترويج لمعالم وطنها، وتقرأ ترحيبهم وترحيبهن في لافتات القلوب الفيّاضة بالجمال: «مرحبًا ألف»، فإياك أن يختلط عليك الأمر، وتعتقد أنها رقم حسابي، ففي ليالي عسير المبهجة وسط أجواء المحبة والترحيب شرحوا لنا معنى العبارة، فهي قديمة وعريقة يتداولها أهالي عسير منذ القدم، والألف لا يقصد بها الرقم (1000)، بل كانت تعني «إلف» من «الملفى»، وتعني «تفضل» إلى المجلس أو المكان.
هذا هو السحر الأول للجمال وبدايته، فهذه المنطقة الرائعة من وطننا الغالي، قد اختزنت وتميزت بموقعها الاستثنائي، وتنوعها الطبيعي، وثرواتها الثقافية، فحق لها أن تكون مقصدًا للسياحة، وملاذًا للاسترخاء والراحة.
هنا يبلغ ناظرك أقصى مدى من الارتفاع مع قمم الجبال الشاهقة، التي تزدان بالخضرة النضرة، وتنعشك نسمة عليلة تفوح منها أروع الروائح العطرة، فتستحضر في ذهنك قول الشاعر:
جبالٌ كأنّ المسكَ وافى نباتها
وأودعها مكنونة فهو ذائعُ
وإن حضرت فيها النسيم عشية
وعادت لقلنا أرخصَ العطرَ بائعُ
كأنّ القصور المُلدَ في عذباتها
عرائس مصرٍ زفهنّ التّوابع
من ذلك العلو الشامخ تطل قرية رجال ألمع، محافظة على سحرها الخلاب في أبراجها العالية المزينة بحجر الكوارتز الأبيض، ونقوشها التراثية الفنية، وقصورها المشيدة بالحجارة، والتي يبلغ ارتفاع بعضها ثمانية طوابق، ويوجد بها القصر التراثي الذي تم تجهيزه ليصبح متحفًا للحفاظ على تراث القرية العريق، كواحد من أبرز المواقع الأثرية السعودية المرشحة للتسجيل ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
أطلق العنان لبصرك في كل زاوية من زوايا هذا المسرح البديع، فها هي القلاع الأثرية والتاريخية مثل قلعة شمسان، وقرية طبب التاريخية وقرية الحبلة، زرت أماكن تشكلت على نمط الفسيفساء، حيث تجمعت الأجزاء لتكون صورة طبيعية للجمال من جبال ووديان وقرى متناثرة كاللؤلؤ في تنومة والنماص والفرعة ودلغان، نشارك الضباب أنفاسنا والسحاب أنات قلوبنا، مرددين عبارة شهيرة «تنوّمه والقلب لا تلومه».
تجولت في الأسواق الشعبية المفعمة بالحياة، وحضرت سوق الثلاثاء، أقدم الأسواق الشعبية، التي تكشف عن عظمة إنسان المنطقة، وقدرته الفائقة على الإنتاج، وتقديم منتجات فائقة الإتقان، وبديعة الجمال، وأبرزها فن القط العسيري، أو النقش أو الزَّيان، وهو أحد الفنون التجريدية التي تمارسها النساء، وهو فن مدرج ضمن قائمة التراث في اليونسكو، وهو البصمة المميزة، والأيقونة الجمالية الفريدة.
تتوقف الكلمات عاجزة، ويستحسن الصمت في حضرة الجمال، ليس لك إلا أن تسبح بحمد ربك، وتتعجب من جمال استوطن في ربوع وطنك وكنت عنه غافلًا طوال هذا الوقت.
يعجز لساني عن وصف كل مشاهد الجمال، ويستعصي على كلماتي أن تصوّر هذه الروائع، وهذا الحسن المتناهي، ولا أملك إلا أن أحثك بكل شوق، وأشجعك بقوة على أن تعجل بالقدوم إلى «عسير»، وسوف تجد نفسك في حضرة الخضرة والجمال والكرم المتدفق من عريكة ومشغوثة ومبثوث وحنيذ وعيش صنع بأيدٍ عسيرية منزلية مع عسل مصفى وسمن بلدي لذة للآكلين.
إن المقومات السياحية في وطني تسير بخطى متسارعة، وإن ما نملكه من اتساع جغرافي، وكنوز حضارية وتراثية وثقافية يؤهلنا إلى أن نكون الوجهة الأولى في المنطقة، والأكثر استقطابًا، والأفضل تنوعًا.
ولكني أهمس في آذان القائمين على قطاع السياحة الداخلية بأن يراعوا التكلفة المادية، التي يتكبدها المواطن في رحلة المتعة الداخلية، وأن يضعوا ذلك في الاعتبار طالما انخرطوا في خضم المنافسة العالمية، وسعوا إلى ترسيخ السياحة الداخلية في البلاد.
وإن كنت مثلي ممن طال بهم البعد عنها، فلن تملك جوارحك من فيض الدهشة الغامرة، وسيسكنك إعجاب راسخ، وفخر عارم، واعتزاز بما تحقق على هذه الأرض الطيبة، التي حررتها «الرؤية» المباركة من قيود الرتابة، وأزاحت عن وجهها عبوس التزمت والجمود، وكدر الغلظة والجفاء، وأعادت إليها رونق الحياة بأبهى حلة، وأروع صورة، بفضل طيبة أهلها وسمو أخلاقهم وحبهم المتدفق لهذا الوطن المعطاء، واستبدلت كآبة الانغلاق بإشراقة الحياة.
تأملت المنطقة بنظرات شاملة ممتدة من الجو قبل أن تحط الطائرة في مطار أبها، حيث تراقصت أمام عيني ألوان زاهية من خضرة متنوعة، وأعماق منخفضة، وقمم شاهقة، حتى تكاد تشعر بملامستها لك مباشرة.
وما إن تستقر الطائرة على أرض المطار، فتهيأ لرحلة ساحرة تكشف لك وطنك بصورة غير مألوفة، وتشعرك بعظمة هذه «الرؤية» السخية، فقد أنجزت في هذه الربوع، وفي غيرها، كل ما يمكن وبعض ما يستحيل، فأضحت «عسير» متألقة مزدهرة بنظافتها، وخلو طرقاتها من العوائق، بتصميم رائع، يغطي السهل والجبل والقرية والمدينة، وتوسعت التنمية الطموحة لتشملها، وتوفر لها متطلبات البنية التحتية، وكل سبل الرفاهية في جميع أرجائها، ولم تستثن من ذلك أصغر القرى.
كل شيء هنا قد أُعدّ بعناية فائقة لراحة الزائر والسائح؛ البشر والترحيب يغمر الوجوه، شباب يانع، وفتيات متألقات، هن مثال للعفة والجمال، يقفون جنبًا إلى جنب لخدمتك بكل سرور.
ما أعظم بركة «الرؤية» التي منحت المرأة حقوقها في هذه المنطقة وغيرها، وها هي تسهم بوعيها في إبراز والترويج لمعالم وطنها، وتقرأ ترحيبهم وترحيبهن في لافتات القلوب الفيّاضة بالجمال: «مرحبًا ألف»، فإياك أن يختلط عليك الأمر، وتعتقد أنها رقم حسابي، ففي ليالي عسير المبهجة وسط أجواء المحبة والترحيب شرحوا لنا معنى العبارة، فهي قديمة وعريقة يتداولها أهالي عسير منذ القدم، والألف لا يقصد بها الرقم (1000)، بل كانت تعني «إلف» من «الملفى»، وتعني «تفضل» إلى المجلس أو المكان.
هذا هو السحر الأول للجمال وبدايته، فهذه المنطقة الرائعة من وطننا الغالي، قد اختزنت وتميزت بموقعها الاستثنائي، وتنوعها الطبيعي، وثرواتها الثقافية، فحق لها أن تكون مقصدًا للسياحة، وملاذًا للاسترخاء والراحة.
هنا يبلغ ناظرك أقصى مدى من الارتفاع مع قمم الجبال الشاهقة، التي تزدان بالخضرة النضرة، وتنعشك نسمة عليلة تفوح منها أروع الروائح العطرة، فتستحضر في ذهنك قول الشاعر:
جبالٌ كأنّ المسكَ وافى نباتها
وأودعها مكنونة فهو ذائعُ
وإن حضرت فيها النسيم عشية
وعادت لقلنا أرخصَ العطرَ بائعُ
كأنّ القصور المُلدَ في عذباتها
عرائس مصرٍ زفهنّ التّوابع
من ذلك العلو الشامخ تطل قرية رجال ألمع، محافظة على سحرها الخلاب في أبراجها العالية المزينة بحجر الكوارتز الأبيض، ونقوشها التراثية الفنية، وقصورها المشيدة بالحجارة، والتي يبلغ ارتفاع بعضها ثمانية طوابق، ويوجد بها القصر التراثي الذي تم تجهيزه ليصبح متحفًا للحفاظ على تراث القرية العريق، كواحد من أبرز المواقع الأثرية السعودية المرشحة للتسجيل ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو.
أطلق العنان لبصرك في كل زاوية من زوايا هذا المسرح البديع، فها هي القلاع الأثرية والتاريخية مثل قلعة شمسان، وقرية طبب التاريخية وقرية الحبلة، زرت أماكن تشكلت على نمط الفسيفساء، حيث تجمعت الأجزاء لتكون صورة طبيعية للجمال من جبال ووديان وقرى متناثرة كاللؤلؤ في تنومة والنماص والفرعة ودلغان، نشارك الضباب أنفاسنا والسحاب أنات قلوبنا، مرددين عبارة شهيرة «تنوّمه والقلب لا تلومه».
تجولت في الأسواق الشعبية المفعمة بالحياة، وحضرت سوق الثلاثاء، أقدم الأسواق الشعبية، التي تكشف عن عظمة إنسان المنطقة، وقدرته الفائقة على الإنتاج، وتقديم منتجات فائقة الإتقان، وبديعة الجمال، وأبرزها فن القط العسيري، أو النقش أو الزَّيان، وهو أحد الفنون التجريدية التي تمارسها النساء، وهو فن مدرج ضمن قائمة التراث في اليونسكو، وهو البصمة المميزة، والأيقونة الجمالية الفريدة.
تتوقف الكلمات عاجزة، ويستحسن الصمت في حضرة الجمال، ليس لك إلا أن تسبح بحمد ربك، وتتعجب من جمال استوطن في ربوع وطنك وكنت عنه غافلًا طوال هذا الوقت.
يعجز لساني عن وصف كل مشاهد الجمال، ويستعصي على كلماتي أن تصوّر هذه الروائع، وهذا الحسن المتناهي، ولا أملك إلا أن أحثك بكل شوق، وأشجعك بقوة على أن تعجل بالقدوم إلى «عسير»، وسوف تجد نفسك في حضرة الخضرة والجمال والكرم المتدفق من عريكة ومشغوثة ومبثوث وحنيذ وعيش صنع بأيدٍ عسيرية منزلية مع عسل مصفى وسمن بلدي لذة للآكلين.
إن المقومات السياحية في وطني تسير بخطى متسارعة، وإن ما نملكه من اتساع جغرافي، وكنوز حضارية وتراثية وثقافية يؤهلنا إلى أن نكون الوجهة الأولى في المنطقة، والأكثر استقطابًا، والأفضل تنوعًا.
ولكني أهمس في آذان القائمين على قطاع السياحة الداخلية بأن يراعوا التكلفة المادية، التي يتكبدها المواطن في رحلة المتعة الداخلية، وأن يضعوا ذلك في الاعتبار طالما انخرطوا في خضم المنافسة العالمية، وسعوا إلى ترسيخ السياحة الداخلية في البلاد.
